فصل: ذكر وصول الدستور إلى العسكر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر وصول الدستور إلى العسكر

ولما اتصل بالعلوم الشريفة السلطانية ما اتفق من الأمر تقدم مرسومه إلى العساكر بالمسير إلى أماكنهم فسار من حمص في يوم الاثنين السادس والعشرين من صفر من هذه السنة الموافق لثالث تموز وعادوا إلى أوطانهم‏.‏

ذكر وفاة صاحب ماردين في هذه السنة يوم الأحد ثامن ربيع الآخر توفي صاحب ماردين ومن عقيب مسيرة قراسنقر من عنده إلى الأردو وهو الملك المنصور نجم الدين غازي ابن الملك المظفر قرا أرسلان ابن السعيد نجم الدين غازي بن المنصور بن أرتق أرسلان بن قطب الدين أيلغازي بن إلبي بن تمرتاش بن أيلغازي بن أرتق صاحب مارديـن وملـك مارديـن بعـده ابنـه الألبـي الملـك العـادل عماد الدين علي بن غازي نحو ثلاثة عشر يوماً ثم ملك أخوه شمس الدين صالح وتلقـب بالملك الصالح ابن غازي المذكور‏.‏

ذكر وصول النائب إلى حلب وفيهـا قـرر السلطان سيف الدين سودي الجمدار الأشرفي ثم الكردي في نيابة السلطنة بحلب المحروسة موضع قراسنقر فوصل سودي المذكور إلى حلب في ثامن أو تاسع ربيع الأول من هذه السنة واستقر في نيابة السلطنة بحلب‏.‏

ذكر مسيري إلى مصر وفي هذه السنة توجهت إلى الأبواب الشريفة وخرجت من حماة يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول من هذه السنة الموافق للرابع والعشرين من تموز وسقت مـن أثنـاء الطريـق علـى البريـد ووصلـت إلـى قلعـة الجبـل وحضـرت بيـن يـدي المواقـف الشريفـة السلطانية في يوم الاثنين العاشر من ربيع الآخر الموافق للرابع عشر من آب ثم وصلت صبياني وقدمت التقدمة في يوم الجمعة خامس عشر ربيع الآخر وكان قبل وصولي قد قبض على بيبرس الدوادار نائب السلطنة وعلـى جماعـة مـن الأمـراء مثـل الكمالـي فحـال حضوري بين يديه أفاض علي التشريف السلطاني الأطلس المزركش على عوائد صدقاته وأمر بنزولي في الكبش فأقمت به فاتفق بعـد أيـام يسيـرة أن النيـل وفـي ونشـر الخلـع فـي يـوم الأحد الثالث والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة الموافق للسابع والعشرين من آب من شهور الروم ورابع أيام النسيء بعـد مسيـري مـن شهور القبط واتفق في أيام حضوري بين أيدي المواقف الشريفة إقامة المقر السيفي أرغون الدوادار في نيابة السلطنة وقلده وأعطاه السيف وألبسه الخلعة ولما لم يبق لي شغل تصدق السلطان وأفاض علي وعلى أصحابي الخلع وشرفني بمركوب بسرجه ولجامه ثم تصدق علي بثلاثيـن ألف درهم وخمسين قطعة من القماش ورسم أن يكتب لي التقليد بمملكة حماة والمعرة وبارين تمليكاً ولولا خوف التطويل لأوردنا التقليد عن آخره‏.‏

لكنا نذكر منه فصولاً يحصل بها الغرض طلباً للاختصار‏.‏

فمنه‏:‏ بعد البسملة الحمد لله الذي عضد الملك الشريف بعماده وأورث الجد السعيد سعادة أجداده وبلغ ولينا من تباهى ببابه ملوك بني الأيام غاية مراده ومنـه‏:‏ فأصبـح جامـع شملهـا ورافع لواء فضلها وناشر جناح عدلها‏.‏

ومنه‏:‏ يحمد على أنه صان بنا الملك وحماه وكف بكف بأسنا المتطاول على استباحة حماه‏.‏

ومنه‏:‏ ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله‏.‏

أما بعد‏:‏ فإن أولى من عقد له لواء الولاء وتشرفت باسمه أسرة الملوك وذوي المنابر وتصرفت أحكامه في ما يشاء من نواه وأوامر وتجلـى فـي سمـاء السلطنـة شمسـه فقـام في دستها مقام من سلف وأخلف في أيامنا الزاهرة درج من أسلافه إذ هو ببقائنا إن شاء الله خير خلف من ورث السلطنة لا عن كلالة واستحقهما بالأصالة والإثالة والجلالة وأشرقت الأيام بغرة وجهه المنير وتشرفت به صدور المحافل وتشوق إليه بطن السرير ومن أصبـح لسمـاء المملكـة الحمويـة وهـو زيـن أملاكهـا ومطلـع أفلاكهـا وهـو المقام العالي العمادي ابن الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان الملك المظفر تقي الدين ولد السلطان الملك المنصور ولد السلطان الملك المظفر تقي الدين أعطاها شاهنشاه بن أيوب وهو الذي ما برحت عيوق مملكته إليه متشوفة ولسان الحال يتلو ضمن الغيب قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء إلى أن أظهر الله ما في غيبه المكنون وأنجز له في أيامنا الوعود وصـدق الظنـون وشيـد اللـه منـه الملـك بأرفع عماد ووصل ملكه بملك أسلافه وسيبقى في عقبه إن شـاء اللـه إلـى يـوم التناد فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الباهـري لا زالـت المماليـك مغمـورة مـن عطائـه والملـوك تسري من ظل كنفه تحت مسبول غطائـه أن يستقـر فـي يـد المقـام العالـي العمـادي المشـار إليـه جميـع المملكة الحموية وبلادها وأعمالها وما هو منسوب إليها ومباشرها التي يعرضها قلمه وقسمه ومنابرها التي يذكر فيها اسم الله تعالى واسمه وكثيرها وقليلها وحقيرها وجليلها على عادة الشهيد الملك المظفر تقي الدين محمود إلى حين وفاته‏.‏

ومنه‏:‏

وقلدناه ذلك تقليداً يضمن ** للنعمة تخليداً وللسعادة تجديداً‏.‏

ومنه‏:‏

في آخره والله تعالى يؤهل بالنصر مغناه

ويجمل ببقائه صورة دهر هو معناه

والاعتماد على الخط الشريف أعلاه‏.‏

وكتب في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتى عشرة وسبعمائـة حسـب المرسـوم الشريـف والحمـد للـه وحـده وصلواتـه علـى محمـد وآله وصحبه وسلم‏.‏

ثـم رسـم لـي بالعـود إلـى بلـدي فخرجـت مـن القاهرة يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى من هذه السنة وسرت إلى دمشق وكان قد وصل إليها الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائباً واستقر فـي نيابة السلطنة بها بعد جمال الدين أقوش الذي كان نائباً بالكرك وأحسن الأمير المذكور إلي وتلقاني بالإكرام ووصلت إلى حماة واجتمع الناس وقرئ التقليد الشريف عليهم في يوم الاثنين الثاني والعشرين من جمادى الأولى الموافق للخامس والعشرين من أيلول‏.‏

ولما وصلت إلى حماة كان قد سافر الأمراء الغرباء إلى حلب فإني لما كنت بالأبواب الشريفة استخبرني مولانا السلطان عن أحوالي وما أشكـو منـه فلـم أفصـح لـه بشـيء فاطلـع بعلمـه الشريف وحدة ذهنه وقوة فراسته على تقلقي من الأمراء المماليك السلطانيـة المقيميـن بحمـاة فإنهم استجدوا بحماة لما خرجت من البيت التقوي الأيوبي فاطلع السلطان على تعبي معهم وأنهـم ربمـا لا يكونـون وفـق غرضـي فاقتضـى مرسومـه الشريـف نقلهـم إلـى حلـب واستمـرار إقطاعاتهم التي كانت لهم بحماة عليهم إلى أن يتجلى ما يعوضهم بـه فتقـدم مرسومـه إليهـم بذلك ووصل إليهم المرسوم على البريد بتوجههم إلى حلب قبل وصولي إلى حماة بأيام يسيرة فحال وصول المرسوم خرجوا من حماة عن آخرهم ولم يبيتوا بها وانتقلـوا بأهلهـم وجندهـم وكانوا نحو أربعة عشر أميراً بعضهم بطبلخاناه وبعضم أمراء عشرات ووصلت إلى حماة ولم يبق غير من اخترت مقامه عندي وكان هذا من أعظم النفقة والصدقة‏.‏

ذكر تجريد العسكر إلى حلب ووصول العدو ومنازلة الرحبة وفي هذه السنة في يوم السبت سابع عشر رجب خرجت من حماة بعساكر حماة ودخلت حلب في يوم السبت الآخر الرابع والعشرين من رجب المذكور وأقمت بها وكان النائب بها الأمير سيف الدين سودي ثم وصل بعض عسكر دمشق مع سيف الدين بهادراص وقويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها ثم وصلت التتر إلى بلاد سيس وكذلك وصلوا إلى الفرات فعندها رحل الأمير سيف الدين سودي وجميع العساكـر المجـردة مـن حلـب فـي يـوم الخميس ثامن رمضان في هذه السنة ووصلنا إلى حماة في يوم السبت سابع عشر رمضان المذكور وكان خربندا نازل الرحبة بجموع المغل في آخر شعبان من هذه السنة الموافق لأواخر كانون الأول وأقام سيف الدين سودي بعسكر حلب وغيره من العساكر المجردة بظاهر حلب ونزل بعضهم في الخانات وكان البرد شديداً والجفال قد ملأه المدينة واستمرينا مقيمين بحماة وكشافتنا تصل إلى عرض والسخنة وتعود إلينا بأخبـار المخـذول واستمـر خربنـدا محاصـراً للرحبة وأقام عليها المجانيق وأخذ فيها النقوب ومعه قراسنقر والأفـرم ومـن معهمـا وكانـا قـد أطمعا خربندا أنه ربما يسلم إليه النائب بالرحبة قلعة الرحبة وهو بدر الديـن بـن أركشـي الكردي لأن الأفرم هو الذي كان قد سعى للمذكور في نيابة السلطنة بالرحبة وأخذ له إمرة الطبلخاناه فطمع الأفرم بسبب تقدم إحسانه إلى المذكور أن يسلم إليه الرحبة وحفظ المذكور دينه وما في عنقه من الإيمان للسلطان وقام بحفظ القلعة أحسن قيام وصبر على الحصـار وقاتل أشد قتال ولما طال مقام خربندا على الرحبة بجموعه وقع في عسكره الغلاء والفناء وتعذرت عليه الأقوات وكثرت منه المقفزون إلى الطاعة الشريفة وضجـروا مـن الحصـار ولـم ينالوا شيئاً ولا وجد خربندا لما أطمعه به قراسنقر والأفرم صحة فرحل خربندا عن الرحبة راجعاً على عقبه في السادس والعشرين من رمضان من هذه السنة بعد حصار نحو شهر وتركوا المجانيق وآلات الحصار علـى حالهـا فنزلـت أهـل الرحبـة واستولـوا عليهـا ونقلوهـا إلـى الرحبة ولما جرى ذلك رحل سـودي وعسكـر حلـب مـن حمـاة وعـادوا إلـى حلـب واستمـر بهادراص ومن معه من عسكر دمشق مقيماً بحماة مدة ثم ورد لهـم الدستـور فسـاروا إلـى دمشق‏.‏

ذكر مسير السلطان بالعساكر الإسلامية إلى الشام ثم توجهه إلى الحجاز‏:‏ في هذه السنة سار مولانا السلطان بالعساكر الإسلامية من ديار مصر وكان مسيره بسبب نزول التتر على الرحبة حسبما ذكرنا ووصل إلى دمشق يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شوال مـن هـذه السنة أعني سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بعد رحيل العدو عن الرحبة وعودهم على أعقابهم فلما لم يبق في البلاد عدو عزم على الحجاز الشريف لأداء حجة الفـرض فرتـب العساكر بالشام وأمر بعضهم بالمقام باللجون وسواحل عكا وقاقون وجرد بعضهم على حمى حمص وترك نائب السلطنة المقر السيفي أرغون ونائـب السلطنـة بالشـام الأميـر سيـف الديـن تنكـز مقيمين بدمشق وعندهما باقي العساكر واستجار السلطان بالله تعالى وخرج من دمشق متوجهـاً إلـى الحجـاز الشريف في يوم الخميس الثاني من ذي القعدة الموافق لأول آذار وأتم المسير ووصل إلى عرفات وأكمل مناسك الحج وعاد مسرعاً فوصل إلى الكرك سلخ هذه السنة ثم كان ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيهـا ولـد ولـدى محمـد بـن إسماعيـل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر ابن شاهنشا بن أيوب وكانت ولادته في إقامة الساعة الثانية من نهار الخميس مستهل رجب الفرد من هذه السنة أعني سنة اثنتي عشرة وسبعمائة الموافق الثاني يوم من تشرين الثاني من شهور الروم‏.‏

وفيها انخسف القمر مرتين مرة في صفر ومرة في شعبان‏.‏

وفيها كانت الأمطار قليلة حتى خرج فصل الشتاء ثم تدارك الأمطار في فصل الربيع إلى أن زادت الأنهر زيادة عظيمة في آخر نيسان على خلاف ما عهد‏.‏

وفيهـا قـوي استيحاش الأمير مهنا بن عيسى أمير العرب لما اعتمد من مساعدة قراسنقر ولغير ذلـك مـن الأمـور وكاتـب خربنـدا ثـم أخـذ منـه إقطاعـاً بالعـراق وهـو مدينـة الحلة وغيرها واستمر إقطاعه من السلطان بالشام وهو مدينة سرمين وغيرها على حاله وعامله السلطان بالتجـاوز ولـم يؤاخـذه بمـا بـدى منه وحلف على ذلك مراراً فلم يرجع عما هو عليه وجعل مهنا ولـده سليمـان بـن مهنا منقطعاً إلى خدمة خربندا ومتردداً إليه واستمر ابنه موسى بن مهنا في صدقة السلطان ومتردداً إلى الخدمة واستمر مهنا على ذلك أخذ الإقطاعين بالشام والعراق ويصل إليه الرسل من الفريقين وخلعهما وإنعامهما وهو مقيم بالبرية ينتقل إلى شط الفرات من منازله لا يروح إلى أحد الفئتين وهذا أمر لم يعهد مثله ولا جرى نظيره فإن كلاً من الطائفتين لو اطلعوا على أجد منهم أنه يكتب إلى الطائفة الأخرى سطراً قتلوه لساعته ولا يمهلونه ساعة ووافق مهنا في ذلك سعادة خارقة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

ذكر وصول السلطان من الحجاز الشريف وفـي هـذه السنة وصل مولانا السلطان إلى دمشق في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم عائداً من الحجاز الشريف بعد أن أقام بالكرك أياماً وجمع الله له بذلك سعادة الدنيا والآخرة وتوجهت إلى خدمته من حماة وحضرت بين يديه بدمشق المحروسة في يوم الخميس الثالث عشر من المحرم مـن هـذه السنـة الموافـق لعاشـر أيـار وهنيتـه بقدومـه إلـى مملكتـه وعبيـده وقدمـت مـا أحضرته من الخيول والقماش والمصاغ فقابله بالقبول وشملني إحسانه بالخلع والإكرام على جاري عوائد صدقاته وأرسل إلي هدية الحجاز حجراً أشقر وطاقـات طائفـي مـع الأميـر طاشمـر الخاصكي‏.‏

ذكر خروج المعرة عن حماة وفي هذه السنة في المحرم خرجت المعرة عن حماة وأضيفت إلى حلب واستقر بيدي حماة وبارين وسبب ذلك أن الأمراء الذين كانوا بحماة ثم انتقلوا إلى حلب حسبما ذكرنا في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واستقرت إقطاعاتهم بحماة لعدم إقطاعات محلولة تفي بجملة مـا لهـم فصعب عليهم نقلتهم إلى حلب جداً فأخذوا في التعنت والشكوى علي بسبب إقطاعاتهم ونقودهم المرتبة بحماة وانضم إلى ذلك أنه صار يتغير بعض إقطاعاتهم ويدخل فيها شيء من بلاد حلب بحكم تنقل أو زيادة ترد المناشير الشريفة بذلك وتخلط بلاد المملكة الحموية ببلاد المملكة الحلبية وغيرها من الممالك السلطانية وصارت أطماعهم معلقة بالعودة إلى حماة وهم مجتهـدون علـى ذلـك تـارة بالتثقيـل علـى السلطـان بالشفائـع وتارة بالسعي في ذهاب حماة مني فلم أجد لذلك ما يحسمه إلا بتعيين المعرة وبلادها للأمراء المذكورين وإضافتها إلى حلب وانفرادي بحماة وبارين منفصلة عن الممالك الشريفة السلطانية وسألت صدقات السلطان في ذلك وقال لـي أيـا عمـاد الديـن مـا أرضـى لـك بدون ما كان في يد عمك وابن عمك وجدك وكيف أنقصك عنهم المعرة فعاودت السؤال وأبديت التضـرر الزائـد فأجابنـي علـى كـره لذلـك صدقـة علـي وإجابة إلى سؤالي وكتب بصورة ما استقر عليـه الحـال مرسومـاً شريفـاً ذكرنـا بعضـه طلبـاً للاختصار‏.‏

فمنه أفلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكـي الناصـري أن يستقر بيده حماة وبارين بجميع حدودها وما هو منسوب إليها من بلاد وضياع وقرايا وجهات وأموال ومعاملات وغير ذلـك مـن كـل مـا ينسـب إلـى هذيـن الإقليميـن ويدخـل فـي حكمهمـا يتصـرف فـي الجميـع كيـف شـاء مـن توليـة وإقطـاع إقطاعـات الأمراء والجند وغيرهم من المستخدمين من أرباب الوظائف وترتيب القضاة والخطبـاء وغيرهمـا ويكتـب بذلـك مناشيـر وتواقيع من جهته ويجري ذلك على عادة الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة ويقيم على هاتين الجهتين خمسمائة فارس بالعدة الكاملة من غير نقص ويبطل حكم ما عليهما من المناشير والتواقيع الشريفة والمسامحات والمحسـوب وكـل مـا هـو مرتـب عليهمـا للأمـراء والجنـد والعـرب والتركمـان وغيرهـم بحكـم الإنعـام بهمـا علـى المشـار إليـه علـى قاعـدة الملك المظفر صاحب حماة وتعويض الجميع عن ذلك بالمعرة وإفرادها عن حماة وبارين فليستقر جميـع مـا ذكر بيده العالية استقرار الدرر في أملاكها والدراري في أفلاكها ينصرف في أحوالها بين العالميـن بنهيه وأمره ويجري أموالها بين المستوجبين بإنعامه وبرة ولا يمضي فيها أمر بغير منشوره الكريم ولا يجري معلوم ولا رسم إلا بمرسومه الجاري على سنن سلفه القديم وليفعل في ذلك بجميع مـا أراد كيـف أراد ويتصـرف علـى مـا يختـار فيمـا تحـت حكمـه الكريـم وبحكمـة مـن مصالح العباد والبلـاد واللـه تعالـى يعلـي بمفاخـر عمـاده ويجعـل التأييـد والنصـر قريـن إصـداره وإيـراده والخـط الشريـف حجـة بمضمونـه إن شاء الله تعالى كتب في تاسع عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة‏.‏

ثم تصدق بخلعه ثانية وأنعم علي بسنجق بعصائب سلطانية يحمل على رأسي في المواكب وغيرها وهذا مما يختص به السلطان ولا يسوغ لأحد غيره حمله ثم رسم بالدستـور فسـرت مـن دمشـق فـي يـوم الثلاثـاء الخامـس والعشريـن مـن المحـرم وكذلك توجه السلطان عائداً إلى الديار المصرية فوصل إليها واستقر في مقر ملكه ودخلت أنا حماة في يوم الإثنين مستهل صفر من هذه السنة الموافق للثامن والعشرين من أيار من شهور الروم‏.‏

ذكر مسيري إلى الحجاز الشريف وفي هذه السنة أرسلت طلبت دستوراً من مولانا السلطان بالتوجه إلـى الحجـاز الشريـف فرسم لي بالدستور وجهزت شغلي وقدمـت الهجـن إلـى الكـرك وجهـزت ولـدي والثقـل مـع الركب الشامي ووصلني من صدقات السلطان ألف دينار عيناً برسم النفقة ووصلنـي منـه مراسـم شريفـة بإخـراج السوقيـة مـن سائر البلاد إلى الركب الحموي وأن تسير جمالي حيث شئت قدام المحمل السلطاني أو بعده على مـا أراه فقابلـت هـذه الصدقـات بمزيـد الدعـاء وخرجـت مـن حمـاة فـي يـوم الجمعـة رابـع عشر شوال من هذه السنة الموافق لأول شباط وسرت بالخيل إلى الكرك وركبت الهجن من هناك ورجعت الخيل والبغال إلى حمـاة واستصحبـت معـي ستـة أرؤس من الخيل نجائب وسار في صحبتي عدة مماليك بالقسي والنشاب وسبقت الركب إلى مدينـة النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم ووصلت إليها في يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة وتمكنت من الزيارة خلوة وأقمت حتى لحقني الركب ثم سبقتهم ووصلت إلى مكة في يوم السبت خامس ذي الحجة وأقمت بها ثم خرجنا إلى عرفات ووقفنا يوم الأربعاء ثم عدنا إلى منى وقضينا مناسك الحج ثم اعتمرت لأني حججت هذه الحجة مفرداً على ما هو المختار عند الشافعي وكنت في الحجة الأولى قارناً ثم عدنا إلى البلاد وسبقت الحجاج مـن بطـن مـر وسرت منه يوم الثلاثاء خامس عشر ذي الحجة الموافق لثامن نيسان وسرت حتى خرجت هـذه السنة واستهل المحرم سنة أربع عشرة وسبعمائة وأني قد عديت تبوك ووصلت إلى حماة حادي عشر المحرم سنة أربع عشرة وكان مسيري من مكة إلى حماة نحو خمسة وعشرين يوماً أقمت من ذلك في المدينة وفي العلا وفي بركة زيزا ودمشق ما يزيد على ثلاثة أيام وكان خالص مسيري من مكة إلى حماة دون اثنين وعشرين يوماً وكان مسيري على الهجن وكـان صحبتي فرس وبغل ولم يقف عني شيء منها وهذه هي حجتي الثانية وحججت الحجة الأولى في سنة ثلاث وسبعمائة‏.‏

وفيها جرد السلطان من مصر إلى مكة عسكراً وأمراء من عسكر دمشق وأرسل معهم أبا الغيث بن أبي نمي ليقروه في مكة ويقبضوا أو يطردوا أخاه حميضة ابن أيي نمي لأنه كان قد ملك مكة وأساء السيرة فيهـا وكـان مقـدم العسكـر المجـرد علـى ذلـك سيـف الديـن طقصبـا الحسامي فلما اجتمعت به في مكة أوصلني مثالاً من مولانا السلطان يتضمن أني أساعدهم على إمساك حميضة بالرجال والرأي فلما قربنـا مـن مكـة حرسهـا اللـه تعالـى تركهـا حميضـة وهرب إلى البرية فقررنا أبا الغيث بمكة واستغلها وأخذ ما يصل مع الركبان من اليمن وغيره إلى صاحبها وكذلك استهدى الضرائب مـن التجـار واستقـرت قدمـه فيهـا ثـم كـان منـه مـا سنذكـره إن شـاء اللـه تعالـى وأقام العسكر المجرد عند أبي الغيث بمكة خوفاً من معاودة حميضة ثم إن أبا الغيث أعطى العسكر دستوراً بعد إقامتهم بنحو شهرين فعادوا إلى الديار المصرية‏.‏

وفيها اجتمع جماعة من بني لام من عربان الحجاز وقصدوا قطع الطريق على سوقة الركب الذين يلاقونهم من البلاد إلى تبوك عند عود الحاج وساروا إلى ذات حج واتقعوا مع السرقة فقتـل من السوقية تقدير عشرين نفساً وأكثر‏.‏

ثم انتصروا على بني لام وهزموهم وأخذوا منهم تقدير ثمانين هجيناً وعادت بنولام بخفي حنين‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمائة

فيها وصلت إلى حماة عائداً من الحجاز الشريف في حادي عشر المحرم‏.‏

وفيها في أواخر جمادى الآخرة حصل لي مرض حاد أيقنت منه بالموت ووصيت وتأهبت لذلك ثم إن الله تعالى تصدق علي بالعافية‏.‏

وفيها جردت العساكر إلى حلب فجردت جميع عسكر حماة أقمت بسبب التشويش‏.‏

وفيها في رجب توفي الأمير سيف الدين سودي نائب السلطنة بحلب فولى السلطان نيابة السلطنة بحلـب الأميـر عـلاء الدين الطنبغا الحاجب ووصل إلى حلب واستقر بها نائباً بموضع سودي في أوائل شعبان من هذه السنة‏.‏

وفيهـا فـي ذي الحجـة جمـع حميضـة بـن أبـي نمـي وقصـد أخاه أبا الغيث بن أبي نمي صاحب مكة وكان أبو الغيث منتظراً وصول الحجاج ليعتضد بهـم فابتـدره حميضـة قبـل وصـول الحجـاج واقتتـل معـه فانتصر حميضة وأمسك أخاه أبا الغيث وذبحه ثم هرب حميضة لقرب الحجاج منه فلما قضى الحجاج مناسكهم وعادوا إلى البلاد عاد حميضة إلى مكة واستولى عليها‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس عشرة وسبعمائة

ذكر فتوح ملطية فـي هـذه السنـة فـي يـوم الأحـد الثاني والعشرين من المحرم فتحت ملطية وسبب ذلك أن المسلمين الذين كانوا بها اختلطوا بالنصارى حتى أنهم زوجوا الرجل النصراني بالمسلمة وكانوا يعدون الإقامـة بالتتر ويعرفونهم بأخبار المسلمين وكانت الأجناد والرجالة الذين بالحصون مثل قلعة الروم وبهنسا وكختا وكركر وغيرها لا ينقطعون عن الإغارة على بلاد العدو مثل بلاد الروم وغيرها وكانـت طريقهـم فـي غالـب الأوقـات تكون قريب ملطية فاتفق أن أهل ملطية ظفروا ببعض الغياره المذكوريـن فأسروهـم وقتلـوا جماعـة مـن المسلميـن فلمـا جـرى ذلـك أرسـل السلطـان عسكـراً ضخماً من الديار المصرية مع الأمير سيف الدين بكتمر الأبوبكـري ومـع سيـف الديـن قلـي وسيف الدين أوول تمر فساروا إلى دمشق ورسم السلطان لجميع عساكر الشام المسير معهم وجعل مقدماً على الكل الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائب السلطنة بدمشق وتقدمت مراسم السلطان إلي أولاً بأن أجهز عسكر حماة صحبتهم وأن أقيم أنا بمفردي بحماة ثم رأى المصلحة بتوجهي بعسكر حماة فتوجهت أنا والعساكـر المذكـورة ودخلنـا إلـى حلـب فـي يـوم الخميس والجمعة ثالث عشر المحرم لكثرة العساكر فأبحرت في يومين ثم سرنا من حلب إلى عين تاب ثم إلى نهر مرزبان ثم إلى رعبان ثم إلى النهر الأزرق وعبرنا على قنطرة عليه روميـة معمولـة بالحجر النحيت لم أشاهد مثلها في سعتها وسرنا وجعلنا حصن منصور يميننا وصار منا في جهة الشمال ووصلنا إلى ذيل الجبل ونزلنا عند خان هناك يقال له خان قمر الدين وعبرنا الدربند ويسمى ذلك الدربند بلغة أهل تلك البلاد بند طجق درا بضم الطاء المهملـة والجيـم وسكـون القـاف وفتـح الـدال والـراء المهملتيـن ثـم ألـف وبقـي العسكـر ينجـر فـي الدربند يوميـن وليلتيـن لضيقـه وحرجـه ثـم سرنـا إلـى زبطـرة وهـي مدينـة صغيرة خراب ثم نزلنا على ملطية بكـرة الأحـد المذكـور أعنـي الثانـي والعشريـن مـن المحـرم الموافـق للسابـع والعشريـن مـن نيسـان وطلبت العساكر ميمنة وميسرة وأحدقنا بها وفي حال الوقت خرج منها الحاكم فيها ويسمى جمال الدين الخضر وهو من بيت بعض أمراء الروم وكان والده وجده حاكماً في ملطية أيضاً ويعرف خضر المذكور بمزامير ومعناه الأمير الكبير بلغة نصارى تلك البلاد وفتح باب ملطية القبلي وخرج معه قاضيها وغيرهما من أكابرها وطلبوا منا الأمان فأمنهم الأمير سيف الدين تنكز مقدم العسكر واتفق أن الباب القبلي الذي فتح كان قبالة موقفي بعسكر حماة فأرسلت الأمير صارم الدين أزبك الحمـوي وجماعـة معـه وأمرتـه بحفـظ البـاب فإنـي خفـت مـن طمـع العسكر لثلا ينهبوا ملطية وليس معنا أمر بذلك وحفظ الباب حتى حضر الأمير سيف الدين تنكز وكان موقفه في الجانب الآخر فلما حضر وأقام جماعة من الأمراء بحفظ باب المدينة ثم إن العسكـر والطماعـة هجمـوا مدينـة ملطيـة مـن البـاب المذكـور وكذلـك هجمهـا جماعة من العسكر من الجانب الآخر وأراد سيف الدين تنكز منعهم عن ذلك فخرج الأمر عن الضبط لكثرة العساكر الطماعة فنهبوا جميع مفيها من أموال المسلمين والنصارى حتى لم يدعوفيها إلا مـا كـان مطموراً ولم يعلموا به وكذلك استرقوا جميع أهلها من المسلمين والنصارى ثم بعد ذلك حصـل الإنكـار التـام على من يسترق مسلماً أو مسلمة وعرضوا الجميع فأطلق جميع المسلمين من الرجال والنساء وأما أموالهم فإنها ذهبت واستمر النصارى في الرق عن آخرهم وأسر منها ابن كربغا شحنة التتر بتلك البلاد وكذلك أسر منها الشيخ مندو وهو صاحب حصن أركني وكان مندو المذكور قعيداً لقصاد التتر وكان يتبع قصاد المسلمين ويمسكهم وكان مـن أضـر الناس على المسلمين ولما أمسك سلم إلى الأمير سيف الدين قلى وسلمه المذكور إلى بعض مماليكه التتر فهرب مندو المذكور وهرب معه المملوك الذي كان مرسماً عليه ثم لما كان من نهب ملطية ما ذكرناه ألقى العسكر فيها النار فاحترق غالبها وكذلك خربنـا مـا مكننـا مـن أسوارها أن نخربه وأقمنا عليها نهاراً واحداً وليلة‏.‏

ثم ارتحلنا عائدين إلى البلاد حتى وصلنا إلى مرج دابق في يوم الخميس ثالث صفر من هذه السنـة وأقمنـا بـه مـدة وكـان ببلـاد الـروم جوبـان وهـو نائـب خربنـدا ومعـه جمـع كثير وكنا مستعدين فلم يقدم علينا ولا جاء إلى ملطية إلا بعد رحيلنا عنها بمدة فاستمرينا مقيمين بمرج دابق وترددت الرسل إلى أوشين بن ليفون صاحب بلاد سيس في إعادة البلاد التي جنوبي جيحان وزيادة القطيعة التي هي الأتاوة فزاد القطيعة حتى جعلها نحو ألف ألف درهم وبعد ذلـك ورد الدستـور سرنـا مـن مـرج دابـق فـي يـوم الخميـس ثانـي ربيـع الـأول ووصلنـا إلـى حماة في يوم الخميس تاسع ربيع الأول وبعد يومين من وصولـي وصـل الأميـر سيـف الديـن تنكـز بباقـي

العساكر وعملت له ضيافة بداري التي بمدينة حماة فمضى هو والأمراء في يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأول ثم سافر في النهار المذكور إلى دمشق‏.‏

وفيها في مدة مقامي بمرج دابق قبض بمصر على أيد غدي شقير الحسامي وكان من شرار الناس وعلى بكتمر الحاجب وعلى بهادر الحسامي المغربي‏.‏

وفيهـا جهزت خيل التقدمة إلى الأبواب الشريفة صحبة مملوكي أستبغا فحصل قبولها والإحسان علي أولاً بحصان برقي بسرجه ولجامه ثم بخلعه أطلس أحمر بطرز زركش وكلوته زركـش وشـاش تساعـي وهـو شـاش منسـوج جميعـه بالحريـر والذهب وقبا أطلس أصفر تحتانـي وحياصـة ذهب بجامة مجوهرة بفصوص بلخش ولؤلؤ وثلاثين ألف درهم وخمسين قطعة من القماش السكندراني وسيف ودلكش أطلس أصفر فلبست التشريف السلطاني المذكور وركبت في الموكب به في يوم الخميس ثاني رجب الفرد الموافق لثاني تشرين الأول أيضاً وشملتني الصدقات السلطانية بتوقيـع شريـف أن لا تكـون بحمـاة وبلادهـا حمايـة للدعـوة الإسماعيليـة أهل مصياف بل يتساوون مع رعية حماة في أداء الحقوق والضرائب الديوانية وغير ذلك‏.‏

وفيها قبض على تمر الساقي نائب السلطنة بالفتوحات وعلى بهادراص‏.‏

وفيها سار الملك الصالح واسمه صالح ابن الملك المنصور غازي ابن الملك المظفر قرا أرسلان صاحب ماردين إلى خدمة خربندا ملك التتر بالتقادم على عادة والده فأحسن إليه خربندا ثم عاد الملك الصالح المذكور إلى ماردين في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

وفي أثناء هذه السنة ورد إلى الأبواب الشريفة رميثة بن أبي نمي من مكة وهو أخو حميضة الأكبـر مستنجـداً علـى أخيـه حميضة صاحب مكة حينئذ فجهز السلطان مع رميثة عسكراً من العساكر المصرية وجهزهم بما يحتاجون إليه فسار بهم رميثة إلى مكة وكان مقـدم العسكـر تمرخـان بـن قرمـان أمير طبلخاناه وأمير آخر يقال له طيدمر وكان العسكر مائتين فارس من نقاوة عسكر مصر فجمع حميضة ما يقارب اثني عشر ألف مقاتل وتعبى العسكر المصري وكان رميثة في القلب وابن قرمان ميمنة وطيدمر ميسرة والتقوا واقتتلوا في عيد الفطر من هذه السنة وراء مكة إلى جهة اليمن بمراحل ورمى العسكر بالنشاب فولى جماعة حميضة منهزمين لا يلوون وكان لحميضة حصن إلـى جهـة اليمـن فهـرب إليـه وانحصـر بـه فأحـاط بـه العسكـر وحاصروه فنزل حميضة برقبته مع ثلاثة أو أربعة أنفس وهرب خفية واحتاط العسكر على ماله وحريمه وغنموا من ذلك شيئاً كثيراً قيل إنه حصل للفارس من عسكر مصر ما يقارب عشرة آلاف درهم وكان في الغنيمة من العنبر الخام وأمثاله ما يفوق الحصر فأطلق السلطان ذلك جميعه للعسكر واستقر رميثة صاحب مكة‏.‏

وفيها أفرج السلطان عن جمال الدين أقوش الذي كـان نائبـاً بالكـرك ثـم صـار نائبـاً بدمشـق وأحسن إليه وعلى منزلته‏.‏

وفيها وصل قراسنقر إلى بغداد في رمضان هذه السنة وتقدم مرسوم إلى التتر الذين ببغداد وديار بكر وتلـك الأطـراف بالركـوب مـع قراسنقـر إذا قصـد الإغـارة علـى بلـاد الشـام وكـان خربندا مقيماً بجهة موغان وأقام قراسنقر وقدم عليه بها فدوى وسلم قراسنقر ولما دخلت سنة ست عشرة توجه قراسنقر في مستهل المحرم من بغداد إلى جهة خربندا‏.‏

وفيها في ذي القعدة ولد للسلطان ولد ذكر ودقت البشائر لمولده في ديار مصر والشام ثم توفي المولود المذكور بعد مدة يسيـرة وجهـزت تقدمـة لطيفـة بسبـب المولـود المذكـور صحبـة طيدمر فقدمها وحصل قبولها‏.‏

وفيها في جمادى الأولى وصل إلي من صدقات السلطان حصان برقي أحمر بسرجه ولجامه صحبة عز الدين أيبك أمير اخور فأعطيته خلعة طرد وحشن بكلوته زركش وفرساً بسرجه

ولجامه وخمسة آلاف درهم‏.‏

وفيها في أواخر ذي القعدة أغار سليمان بن مهنا بن عيسى بجماعة من التتر والعرب على التراكميـن والعـرب النازليـن قريـب تدمـر ونهبهـم وأخـذ لهـم أغنامـاً كثيـرة ووصـل في إغارته إلى قرب البيضا بين القريتين وتدمر وعاد بما غنمه إلى الشرق‏.‏

وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة خمـس عشرة وسبعمائة توفي نجاد بن أحمد بن حجي بن بزيد بن شبل أمير آل مرا وكانت وفاته في أواخر هذه السنة واستقر بعده في أمر آل مرا ثابت بن عساف بن أحمد بن حجي المذكور وبقي ثابت المذكور وتوبة بن سليمان بن أحمد يتنازعان وفيهـا توفـي بدمشـق ابـن الأركشـي الـذي كـان نائبـاً بالرحبـة لمـا حصرها خربندا وكان قد عزل في تلك السنة وأعطي أمرة بدمشق وتولى الرحبة مكانه بكتوت القرماني ثم عـزل وولـي علـى الرحبة بعده طغر بك الأنصاري‏.‏

ذكر أخبار أبي سعيد ملك المغرب وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة خمـس عشرة وسبع مائة اجتمع العسكر على عمر ولد أبي سعيد عثمان ملك المغرب وبقي والده خائفاً من العسكر واقتتل عمر المذكور مع والده أبي سعيد عثمان وانتصر عمر وهرب أبوه أبو سعيد إلى تازة فسار ولده عمر وحصره بها ثم وقع الاتفاق بينهما على أن يسلم أبو سعيد الأمر إلى ولده عمر المذكور وأشهد عليه بذلك وبقي أبـو سعيـد فـي تـازة وسـار عمـر بالجيـوش إلـى جهـة فـاس فلحق عمر بعد أيام يسيرة مرض شديد فكاتب عسكره أباه بمدينة فاس وعنده بيوت الأموال والسلاح فحصره أبوه أبو سعيـد نحـو تسعة أشهر ثم وقع الاتفاق بينهما على جانب طائل من المال يتسلمه عمر المذكور وأن تكون لـه سجلماسـة فتسلـم عمـر ذلـك وسار من فاس إلى سجلماسة وتسلمها واستقر أبوه أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق في المملكة على ما كان عليه وكان لعمر المذكور حينئذ من وفيها توفي السيد ركن الدين وكان إماماً مبرزاً في العلوم المعقولات والمنقولات وشرح الحاوي الصغير ومختصر ابن الحاجب في الفقه وفضائله مشهورة‏.‏